بـسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
ثم أما بعد:-
فإن قضية الحجاب والنقاب قضية قديمة متجددة باستمرار.. وقد أخذت حيزا كبيرا من الجدال والخلاف مذ أكثر من قرن من الزمان.. ربّما سلّط الضوء عليها من بعد خروج قاسم أمين على الناس في مصر حول مزاعمه عن تحرير المرأة ثم تبعته هدى شعراوي إلى أن دخلت دائرة الضوء نوال السعداوي ومن تبعها أو تقدم عنها في هذا المجال في زماننا الحاضر.. بل أنه يجوز لنا القول بأن هذه القضية قد ظهرت مذ ظهور الإسلام تقريبا .. وما من إمام وفقيه وعالم إلاّ وقد أدلى بدلوه في دلاءها.. اتفقوا حينا واختلفوا حينا وكانوا بين البينين في أحيان كثيرة.
في هذه الأيام زاد الجدل عن حدّه كثيرا حتى وسع العالم بجهاته الأربعة.. ولم يخرج علينا الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي مؤخرا إلاّ ليزيد الطين بلّة بعد بلّته في فتواه السابقة بجواز ما تقوم به الحكومة الفرنسية حول مسألة الحجاب.
هذا الشيخ الهرم الخرف.. وهذه ليست بشتيمة.. معاذ الله أن أسبّ عالما أو أحطّ من شأنه أو أقع في عرضه، مهما كانت أعماله.. ثم أنّي أقلّ وأصغر من أن أتجرأ على عالم في منزلته.. لم أبلغ مكانته العلمية وربّما لن أدرك بلوغها.. وإنما قصدت بالهرم والخرف مرحلتين من مراحل عمر الإنسان.
بماذا يفسّر لنا الشيخ جداله حول النقاب مع تلك الفتاة البريئة وهي بنظر الكثيرين ما تزال طفلة أو على الأقل قاصرة.؟.
إن هي لم تتم بعد المستوى الإعدادي أو الثانوي في دراستها، ممّا يعني لنا أن عمرها بين 14 و 15 سنة..
فقول الشيخ لها: إنّي أعلم منك ومن أبوك أو ممن خلفوك بحسب ما تناقلته وسائل الأعلام .. كلام كهذا لا ينبغي أن يصدر من شيخ يقدّر علمه وسنّه ومكانته الرفيعة ومركزه المرموق وشهرته العظيمة.
من ذا بربكم ينكر أنّه حقّا أكثر علما من الفتاة وأهلها.؟. هذا أمر مفروغ منه.!.
فهل كان الشيخ بحاجة لتأكيده من فتاة قاصرة بعمر حفيداته.؟
وهل يزيده اعتراف الفتاة أو أهلها بما يريد رفعة على رفعته وعلوا على علوه وكسبا فوق ما اكتسبه.؟
لا أرى إلاّ أن هذا القول والفعل من الشيخ المحترم قد انتقص من ميزان علمه ومعرفته.
ربما غضب الشيخ.. وليس الغضب من شيمة العلماء ، فالعالم حليم.
ربما تسرّع الشيخ بانفعاله.. وكذلك ليس التسرّع والإنفعال من شيم أهل العلم ، فالعالم رصين رزين.
لقد وقع الشيخ في زلّة لسانه .. ووقعة العالم بعشرة.
ثم انظر لتتابع الحوار والشيخ يقول بعد أن فرض نزع نقابها: هذا وأنت بالشكل هذا.. كيف لو كنت جميلة؟
أستغفر الله العظيم .. استغفر ربّك يا شيخنا.. هل بقولك هذا قصدت المخلوق أم الخالق سبحانه وتعالى.. فما ذنب الفتاة إن وجدت نفسها بمسحة من جمال أو تجد نفسها على غاية من الجمال.؟. وهل كان أمر خلقتها بيدها.. أم أن خالقها وخالقك وخالق العالمين الله.. سبحانه علاّم الغيوب.
يا شيخ، إني أستغفر الله لي ولك فاستغفره إنه هو الغفّار الرحيم.
والله لو كانت هذه الفتاة في بلاد من بلاد الغرب لأقامت عليك الدعوى تلو الدعوى بحجة حالة نفسية أو عقدة أو كآبة ربما أطاحت بك وبالمؤسسة التي تمثلها وبالحكومة التي أمرت بتعيينك وأشرفت عليه وعلى دفع مرتبك.
أيها الشيخ العلاّمة، إنه في العام 2005م، كتبت فيك مقالة قصيرة عن تأبينك لبابا الفاتيكان الهالك بولس الثاني وفيما أذرفته، حينها، من دموع عليه وبما وصفته من أوصاف قلّما وصفت بها أحدا من قادة المسلمين على مرّ العصور.. هذا البابا الذي رفض حتى تقديم اعتذار لفظي أو حتى تبليغي بطريقة غير مباشرة لما قامت به الكنيسة من حملات صليبية على المسلمين وسفك دماءهم ونهب خيراتهم واستعمار بلدانهم واستعباد الرجال وذبح الأولاد واغتصاب النساء.. بالرغم أنه قد قدّم كلّ الاعتذار لبني يهود عمّا ساسهم وجاس من محاكم التفتيش في أسبانيا في القرن الخامس عشر الميلادي وعلى مرّ القرون والعصور.
أيها الشيخ العلاّمة، هل لي أن أذكرك بأنك تدير وترعى أعلى وأعظم وأرفع صرح علمي في البلاد الإسلامية.. الا وهو الأزهر الشريف.. أزهر سلطان العلماء العزّ بن عبد السلام.. أزهر صلاح الدين الأيوبي ونجم الدين بن أيوب والمظفر سيف الإسلام قطز والملك الظاهر بيبرس وغيرهم من عظماء قادة المسلمين.
أليس بالأزهر الذي يدرّس المذاهب السنية الأربعة: المالكية والحنفية والشافعية والحنبلية بأصولها وفروعها بل ويدرس علوم وفقه الأئمة النووي والليث وسفيان الثوري وغيرهم رضوان الله عليهم.؟
لقد أجمع مالك وأبو حنيفة والشافعي رضوان الله عليهم على أن المرأة كلّها عورة إلاّ وجهها وكفيها.. وذهبوا إلى قول أن تغطي سائر البدن دون الوجه والكفين إلاّ في حالة واحدة ظهر منها مفسدة الزمان والمكان وأن تخاف على نفسها من فتنة الرجال.. وهل من فساد مرّ على أمتنا كفساد هذا الزمان؟.
أما الإمام أحمد فقد أوجب النقاب نصا وحكما وشرعا باستناده إلى أحاديث كثيرة ومن رواة ثقاة..
وما ذهب إليه الإمام أحمد لم يكن مخالفا لما ذكره سابقوه مالك وأبو حنيفة والشافعي..
العورة عند المرأة وبلسان ولغة العرب لا يقصد منها العورة بمعناها الحرفي وإنما تحلّ العورة أحيانا محلّ الفتنة كخشية افتتان وليس كشف عورة.. إذ حاشا لله أن يكون وجه المرأة، ذلك المخلوق وذلك الإنسان بعورة.. وحاشا أن يقترن وجه المرأة بالفرج أو القدم، معاذ الله من هكذا لفظ ودوليك خلط.. إنّما وجه المرأة قد أحسن البارئ المعيد المصوّر صورته وخلقه وقد أكمله وأتمه ونعمه بالفتنة والجمال.. وصدق المصطفى صلّ الله عليه وسلّم عندما قال " النساء شقائق الرجال "
اتقي الله يا شيخ محمد..
فإنّي أعيذك بالله أن تستوي أنت العالم النافع مع جاهل اراجوز مثل عادل إمام.. هل بلغك ما قاله عادل إمام ؟ إنّي أرفع إليك كلامه من سماعي له مباشرة في حوار له يحدّث الناس عن نفسه وعن رأيه وقد جعل من نفسه ذلك السياسي المخضرم والفنان العملاق والمصلح الاجتماعي. يقول عادل إمام بأنه حضر في يوم دعوة وجهت إليه وكانت الصالة مكتظة بالبنات.. واندهش عند رؤيته صفّ من هنا فتيات محتشمات محجبات وصفّ من هنا فتيات سافرات.. فأرسله شيطانه بالقول: رأيت كيف عنصر التفرقة يكون وكيف عنصر التمييز.. طبعا عادل إمام لا يقصد بالقول: لماذا لا يكنّ جميعهن محجبات أو كلّهن سافرات.. كلا، ليس هذا ما قصده أبدا.. وإنما قال وجب نزع هذا الحجاب الذي فرّق بين نساء مصر.. يا سبحان الله! وهل إذا ما أسفرن المحجبات ففي ذلك إقامة للعدل والحقّ.. ولماذا لا يتحجبن القسم الآخر؟ سؤال بسؤال.. أفلا يحقّ لنا طرحه؟ لكي يوضع ميزان العدل والحق والحرية.. لماذا المطلوب فقط من المسلمات السفور والتبرج والتعري؟ وليس المطلوب عدلا من الأخريات الاحتشام والاحترام والاحتجاب؟
وديننا لا يفرض على من لا تدين به أفعال أهله.. فقد جعلهن في حلّ من أمرهن.. فمردهنّ إلى الله.
تلك كانت أقوال وأراء عادل إمام من قبل قولك ورأيك أيها الشيخ محمد.
اتقي الله يا شيخ محمد..
ساراكوزي تشجع من بعد فتواك وقال لن تهنأ نفسي ولن يطيب خاطري مع رؤية هذا النقاب على وجوه المسلمات..
وقامت الدنيا ولم تقعد في الغرب، في فرنسا وهولندا وبلجيكا والمانيا وبلغاريا وغيرها من الدول بسبب هذا النقاب.
نقول هم قوم معذورون.. فإن هاجس الأمن والأمان أقضّ مضاجعهم وأصابهم بالهلوسة.. وتلك في الأخير بلدانهم.. هم أحرار بها.
لهم ديارهم ولنا ديار الإسلام.
فهل تريد أن تجردنا من ثوبنا يا شيخ محمد وترحلنا من بلداننا؟
نحن نعترف بأننا لسنا في زمن المعتصم عندما قام بعض من سكارى النصارى ليجروا ثوب عجوز مسلمة فتصيح وامعتصماه من عمورية قرب القسطنطينية فيلبي صوتها المعتصم من بغداد ويغزو بجيشه عمورية ويفتحها..
لقد ولّى ذلك الزمان عنّا.. وغادرنا رجاله.
هل تتحمل يا شيخ في رقبتك دم تلك المرأة المصرية القبطية المسلمة البريئة التي قتلت وقضت نحبها في ألمانيا من بعد أن شاهدت وشاهد زوجها وابنها مصرعها وهي مضرجة بدماءها المسلمة الزكية لا لشيء إلاّ ضحية لأجل حجابها في سبيل أمر ربها وإنا نحسبها عند ربها شهيدة ولا نزكي على الله تعالى من عباده أحدا.؟
هذا مثل سأضربه لك يا شيخ محمد عن برلماني إيطالي مسيحي قاله في البرلمان أمام وسائل الإعلام من بعدّ ما اشتدّت حمى مكافحة الحجاب في الغرب.
اسمع يا شيخ إلى ما يقوله هذا الايطالي المسيحي الصادق بقوله العادل بحكمه:
إنها عبرة وموعظة من رجل نصراني لم يأتي على ذكرها أحد من المسلمين.. لقد توجه إلى قومه بالقول في وسط هذا الحشد المهيب:
لماذا كلّ هذه الحملات في بلداننا على حجاب امرأة؟ هل نسيتم يا معشر المسيحيين بأن البتول مريم العذراء مصورة في كنائسنا وبيوتنا وكتبنا بصورة امرأة محجبة؟ هل شاهد منكم أحدا صورة مريم العذراء البتول من دون حجاب؟ فهل أنتم ستمحون حجاب مريم أيضا؟ هل باستطاعتكم تصويرها من دون حجابها؟ لا أنتظر منكم ذلك الفعل.. راهباتنا في كلّ دير يتشحن بالحجاب.. هل ستنزعونه أيضا؟ هل من قوانين ستسنّ في محاكمكم بخصوص حجاب الراهبات؟ لا أنتظر منكم مثل ذلك العمل؟ إذا، فالأولى لكم أن تكفوا عن إثارة القول في حجاب مسلمة.
هذا، يا شيخ محمد، ما قيل في البرلمان الإيطالي.. فانظر إلى قولك في الحرم الجامعي الأزهري العربي الإسلامي.
اتقي الله يا شيخ محمد واستغفر لذنبك..
ماذا تقول لربّك غدا وأنت من أمر بنزع برقع تلك الفتاة ونقابها وحجابها وكشف وجهها على الملأ.. وما ضرّك يا شيخ في نقابها.. وما نفعك من رؤيتها بغير نقاب؟
ماذا تقول لربّك غدا وماذا تقدم من عذر لوصفك بابا الروم الهالك بما وصفت؟
كيف تقابل وجه ربك الكريم وقد صافحت بيمينك (شمعون بيريز) جزار قانا وحرب 56 و 67 وجزار فلسطين ولبنان ومصر والجولان.. مستبيح الأقصى المبارك..
تعتذر يا شيخ للمسلمين بأنك لم تكن تعرفه.. وهل بالله عليك شيخ دكتور في مثل مقامك لم يلقى لنفسه إلاّ هكذا معاذير .. هل كنت في غفلة عن هذا العالم أم بظنك أننا المغفلون؟
وهل سيكون هذا عذرك أمام الله تعالى علاّم الغيوب.؟.
كيف بك يا شيخ من سؤال : ماذا فعلت لغزّة العرب والمسلمين وهي تحترق إلى جوارك ويسقط الشهداء في أرضها بل يطيرون في سماواتها وتسيل دماء المسلمين وتفجّر النساء والأطفال وتخرب البيوت وأنت ساكت أخرس لا تنطق ببنت شفه حتى ولو من باب المداراة وردّ العتب واللوم.
هاك الأقصى وبيت المقدس.. وأنت تنظر ما يجري ولا كلمة حقّ ولا يحزنون.
لن ينفعك يا شيخ مركزك ولن يغني عنك راتبك ولن يشفع لك رئيس ولا وزير ولا مدير ولن تفيدك حكومة ولا رئاسة ولا إدارة .. فكلّ سوف يتركك لنفسك وسيتبرأ منك بمن فيهم أقرب الناس منك وأعزّ الناس عندك.
اتقي الله يا شيخ محمد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
شيخي وأستاذي ومعلمي، أستغفر الله لي ولك وأسأله أن يهديني وإيّاك الصراط المستقيم والسبيل السواء.
الحمد لله ربّ العالمين.
من الفقير إلى الله: نجد الحسيني
ـ م ـ
ثم أما بعد:-
فإن قضية الحجاب والنقاب قضية قديمة متجددة باستمرار.. وقد أخذت حيزا كبيرا من الجدال والخلاف مذ أكثر من قرن من الزمان.. ربّما سلّط الضوء عليها من بعد خروج قاسم أمين على الناس في مصر حول مزاعمه عن تحرير المرأة ثم تبعته هدى شعراوي إلى أن دخلت دائرة الضوء نوال السعداوي ومن تبعها أو تقدم عنها في هذا المجال في زماننا الحاضر.. بل أنه يجوز لنا القول بأن هذه القضية قد ظهرت مذ ظهور الإسلام تقريبا .. وما من إمام وفقيه وعالم إلاّ وقد أدلى بدلوه في دلاءها.. اتفقوا حينا واختلفوا حينا وكانوا بين البينين في أحيان كثيرة.
في هذه الأيام زاد الجدل عن حدّه كثيرا حتى وسع العالم بجهاته الأربعة.. ولم يخرج علينا الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي مؤخرا إلاّ ليزيد الطين بلّة بعد بلّته في فتواه السابقة بجواز ما تقوم به الحكومة الفرنسية حول مسألة الحجاب.
هذا الشيخ الهرم الخرف.. وهذه ليست بشتيمة.. معاذ الله أن أسبّ عالما أو أحطّ من شأنه أو أقع في عرضه، مهما كانت أعماله.. ثم أنّي أقلّ وأصغر من أن أتجرأ على عالم في منزلته.. لم أبلغ مكانته العلمية وربّما لن أدرك بلوغها.. وإنما قصدت بالهرم والخرف مرحلتين من مراحل عمر الإنسان.
بماذا يفسّر لنا الشيخ جداله حول النقاب مع تلك الفتاة البريئة وهي بنظر الكثيرين ما تزال طفلة أو على الأقل قاصرة.؟.
إن هي لم تتم بعد المستوى الإعدادي أو الثانوي في دراستها، ممّا يعني لنا أن عمرها بين 14 و 15 سنة..
فقول الشيخ لها: إنّي أعلم منك ومن أبوك أو ممن خلفوك بحسب ما تناقلته وسائل الأعلام .. كلام كهذا لا ينبغي أن يصدر من شيخ يقدّر علمه وسنّه ومكانته الرفيعة ومركزه المرموق وشهرته العظيمة.
من ذا بربكم ينكر أنّه حقّا أكثر علما من الفتاة وأهلها.؟. هذا أمر مفروغ منه.!.
فهل كان الشيخ بحاجة لتأكيده من فتاة قاصرة بعمر حفيداته.؟
وهل يزيده اعتراف الفتاة أو أهلها بما يريد رفعة على رفعته وعلوا على علوه وكسبا فوق ما اكتسبه.؟
لا أرى إلاّ أن هذا القول والفعل من الشيخ المحترم قد انتقص من ميزان علمه ومعرفته.
ربما غضب الشيخ.. وليس الغضب من شيمة العلماء ، فالعالم حليم.
ربما تسرّع الشيخ بانفعاله.. وكذلك ليس التسرّع والإنفعال من شيم أهل العلم ، فالعالم رصين رزين.
لقد وقع الشيخ في زلّة لسانه .. ووقعة العالم بعشرة.
ثم انظر لتتابع الحوار والشيخ يقول بعد أن فرض نزع نقابها: هذا وأنت بالشكل هذا.. كيف لو كنت جميلة؟
أستغفر الله العظيم .. استغفر ربّك يا شيخنا.. هل بقولك هذا قصدت المخلوق أم الخالق سبحانه وتعالى.. فما ذنب الفتاة إن وجدت نفسها بمسحة من جمال أو تجد نفسها على غاية من الجمال.؟. وهل كان أمر خلقتها بيدها.. أم أن خالقها وخالقك وخالق العالمين الله.. سبحانه علاّم الغيوب.
يا شيخ، إني أستغفر الله لي ولك فاستغفره إنه هو الغفّار الرحيم.
والله لو كانت هذه الفتاة في بلاد من بلاد الغرب لأقامت عليك الدعوى تلو الدعوى بحجة حالة نفسية أو عقدة أو كآبة ربما أطاحت بك وبالمؤسسة التي تمثلها وبالحكومة التي أمرت بتعيينك وأشرفت عليه وعلى دفع مرتبك.
أيها الشيخ العلاّمة، إنه في العام 2005م، كتبت فيك مقالة قصيرة عن تأبينك لبابا الفاتيكان الهالك بولس الثاني وفيما أذرفته، حينها، من دموع عليه وبما وصفته من أوصاف قلّما وصفت بها أحدا من قادة المسلمين على مرّ العصور.. هذا البابا الذي رفض حتى تقديم اعتذار لفظي أو حتى تبليغي بطريقة غير مباشرة لما قامت به الكنيسة من حملات صليبية على المسلمين وسفك دماءهم ونهب خيراتهم واستعمار بلدانهم واستعباد الرجال وذبح الأولاد واغتصاب النساء.. بالرغم أنه قد قدّم كلّ الاعتذار لبني يهود عمّا ساسهم وجاس من محاكم التفتيش في أسبانيا في القرن الخامس عشر الميلادي وعلى مرّ القرون والعصور.
أيها الشيخ العلاّمة، هل لي أن أذكرك بأنك تدير وترعى أعلى وأعظم وأرفع صرح علمي في البلاد الإسلامية.. الا وهو الأزهر الشريف.. أزهر سلطان العلماء العزّ بن عبد السلام.. أزهر صلاح الدين الأيوبي ونجم الدين بن أيوب والمظفر سيف الإسلام قطز والملك الظاهر بيبرس وغيرهم من عظماء قادة المسلمين.
أليس بالأزهر الذي يدرّس المذاهب السنية الأربعة: المالكية والحنفية والشافعية والحنبلية بأصولها وفروعها بل ويدرس علوم وفقه الأئمة النووي والليث وسفيان الثوري وغيرهم رضوان الله عليهم.؟
لقد أجمع مالك وأبو حنيفة والشافعي رضوان الله عليهم على أن المرأة كلّها عورة إلاّ وجهها وكفيها.. وذهبوا إلى قول أن تغطي سائر البدن دون الوجه والكفين إلاّ في حالة واحدة ظهر منها مفسدة الزمان والمكان وأن تخاف على نفسها من فتنة الرجال.. وهل من فساد مرّ على أمتنا كفساد هذا الزمان؟.
أما الإمام أحمد فقد أوجب النقاب نصا وحكما وشرعا باستناده إلى أحاديث كثيرة ومن رواة ثقاة..
وما ذهب إليه الإمام أحمد لم يكن مخالفا لما ذكره سابقوه مالك وأبو حنيفة والشافعي..
العورة عند المرأة وبلسان ولغة العرب لا يقصد منها العورة بمعناها الحرفي وإنما تحلّ العورة أحيانا محلّ الفتنة كخشية افتتان وليس كشف عورة.. إذ حاشا لله أن يكون وجه المرأة، ذلك المخلوق وذلك الإنسان بعورة.. وحاشا أن يقترن وجه المرأة بالفرج أو القدم، معاذ الله من هكذا لفظ ودوليك خلط.. إنّما وجه المرأة قد أحسن البارئ المعيد المصوّر صورته وخلقه وقد أكمله وأتمه ونعمه بالفتنة والجمال.. وصدق المصطفى صلّ الله عليه وسلّم عندما قال " النساء شقائق الرجال "
اتقي الله يا شيخ محمد..
فإنّي أعيذك بالله أن تستوي أنت العالم النافع مع جاهل اراجوز مثل عادل إمام.. هل بلغك ما قاله عادل إمام ؟ إنّي أرفع إليك كلامه من سماعي له مباشرة في حوار له يحدّث الناس عن نفسه وعن رأيه وقد جعل من نفسه ذلك السياسي المخضرم والفنان العملاق والمصلح الاجتماعي. يقول عادل إمام بأنه حضر في يوم دعوة وجهت إليه وكانت الصالة مكتظة بالبنات.. واندهش عند رؤيته صفّ من هنا فتيات محتشمات محجبات وصفّ من هنا فتيات سافرات.. فأرسله شيطانه بالقول: رأيت كيف عنصر التفرقة يكون وكيف عنصر التمييز.. طبعا عادل إمام لا يقصد بالقول: لماذا لا يكنّ جميعهن محجبات أو كلّهن سافرات.. كلا، ليس هذا ما قصده أبدا.. وإنما قال وجب نزع هذا الحجاب الذي فرّق بين نساء مصر.. يا سبحان الله! وهل إذا ما أسفرن المحجبات ففي ذلك إقامة للعدل والحقّ.. ولماذا لا يتحجبن القسم الآخر؟ سؤال بسؤال.. أفلا يحقّ لنا طرحه؟ لكي يوضع ميزان العدل والحق والحرية.. لماذا المطلوب فقط من المسلمات السفور والتبرج والتعري؟ وليس المطلوب عدلا من الأخريات الاحتشام والاحترام والاحتجاب؟
وديننا لا يفرض على من لا تدين به أفعال أهله.. فقد جعلهن في حلّ من أمرهن.. فمردهنّ إلى الله.
تلك كانت أقوال وأراء عادل إمام من قبل قولك ورأيك أيها الشيخ محمد.
اتقي الله يا شيخ محمد..
ساراكوزي تشجع من بعد فتواك وقال لن تهنأ نفسي ولن يطيب خاطري مع رؤية هذا النقاب على وجوه المسلمات..
وقامت الدنيا ولم تقعد في الغرب، في فرنسا وهولندا وبلجيكا والمانيا وبلغاريا وغيرها من الدول بسبب هذا النقاب.
نقول هم قوم معذورون.. فإن هاجس الأمن والأمان أقضّ مضاجعهم وأصابهم بالهلوسة.. وتلك في الأخير بلدانهم.. هم أحرار بها.
لهم ديارهم ولنا ديار الإسلام.
فهل تريد أن تجردنا من ثوبنا يا شيخ محمد وترحلنا من بلداننا؟
نحن نعترف بأننا لسنا في زمن المعتصم عندما قام بعض من سكارى النصارى ليجروا ثوب عجوز مسلمة فتصيح وامعتصماه من عمورية قرب القسطنطينية فيلبي صوتها المعتصم من بغداد ويغزو بجيشه عمورية ويفتحها..
لقد ولّى ذلك الزمان عنّا.. وغادرنا رجاله.
هل تتحمل يا شيخ في رقبتك دم تلك المرأة المصرية القبطية المسلمة البريئة التي قتلت وقضت نحبها في ألمانيا من بعد أن شاهدت وشاهد زوجها وابنها مصرعها وهي مضرجة بدماءها المسلمة الزكية لا لشيء إلاّ ضحية لأجل حجابها في سبيل أمر ربها وإنا نحسبها عند ربها شهيدة ولا نزكي على الله تعالى من عباده أحدا.؟
هذا مثل سأضربه لك يا شيخ محمد عن برلماني إيطالي مسيحي قاله في البرلمان أمام وسائل الإعلام من بعدّ ما اشتدّت حمى مكافحة الحجاب في الغرب.
اسمع يا شيخ إلى ما يقوله هذا الايطالي المسيحي الصادق بقوله العادل بحكمه:
إنها عبرة وموعظة من رجل نصراني لم يأتي على ذكرها أحد من المسلمين.. لقد توجه إلى قومه بالقول في وسط هذا الحشد المهيب:
لماذا كلّ هذه الحملات في بلداننا على حجاب امرأة؟ هل نسيتم يا معشر المسيحيين بأن البتول مريم العذراء مصورة في كنائسنا وبيوتنا وكتبنا بصورة امرأة محجبة؟ هل شاهد منكم أحدا صورة مريم العذراء البتول من دون حجاب؟ فهل أنتم ستمحون حجاب مريم أيضا؟ هل باستطاعتكم تصويرها من دون حجابها؟ لا أنتظر منكم ذلك الفعل.. راهباتنا في كلّ دير يتشحن بالحجاب.. هل ستنزعونه أيضا؟ هل من قوانين ستسنّ في محاكمكم بخصوص حجاب الراهبات؟ لا أنتظر منكم مثل ذلك العمل؟ إذا، فالأولى لكم أن تكفوا عن إثارة القول في حجاب مسلمة.
هذا، يا شيخ محمد، ما قيل في البرلمان الإيطالي.. فانظر إلى قولك في الحرم الجامعي الأزهري العربي الإسلامي.
اتقي الله يا شيخ محمد واستغفر لذنبك..
ماذا تقول لربّك غدا وأنت من أمر بنزع برقع تلك الفتاة ونقابها وحجابها وكشف وجهها على الملأ.. وما ضرّك يا شيخ في نقابها.. وما نفعك من رؤيتها بغير نقاب؟
ماذا تقول لربّك غدا وماذا تقدم من عذر لوصفك بابا الروم الهالك بما وصفت؟
كيف تقابل وجه ربك الكريم وقد صافحت بيمينك (شمعون بيريز) جزار قانا وحرب 56 و 67 وجزار فلسطين ولبنان ومصر والجولان.. مستبيح الأقصى المبارك..
تعتذر يا شيخ للمسلمين بأنك لم تكن تعرفه.. وهل بالله عليك شيخ دكتور في مثل مقامك لم يلقى لنفسه إلاّ هكذا معاذير .. هل كنت في غفلة عن هذا العالم أم بظنك أننا المغفلون؟
وهل سيكون هذا عذرك أمام الله تعالى علاّم الغيوب.؟.
كيف بك يا شيخ من سؤال : ماذا فعلت لغزّة العرب والمسلمين وهي تحترق إلى جوارك ويسقط الشهداء في أرضها بل يطيرون في سماواتها وتسيل دماء المسلمين وتفجّر النساء والأطفال وتخرب البيوت وأنت ساكت أخرس لا تنطق ببنت شفه حتى ولو من باب المداراة وردّ العتب واللوم.
هاك الأقصى وبيت المقدس.. وأنت تنظر ما يجري ولا كلمة حقّ ولا يحزنون.
لن ينفعك يا شيخ مركزك ولن يغني عنك راتبك ولن يشفع لك رئيس ولا وزير ولا مدير ولن تفيدك حكومة ولا رئاسة ولا إدارة .. فكلّ سوف يتركك لنفسك وسيتبرأ منك بمن فيهم أقرب الناس منك وأعزّ الناس عندك.
اتقي الله يا شيخ محمد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
شيخي وأستاذي ومعلمي، أستغفر الله لي ولك وأسأله أن يهديني وإيّاك الصراط المستقيم والسبيل السواء.
الحمد لله ربّ العالمين.
من الفقير إلى الله: نجد الحسيني
ـ م ـ